الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة
.مسألة خطبة الرجل على خطبة أخيه: قال محمد بن رشد: ليس هذا الحديث على ظاهره في العموم، ومعناه إذا ركنا وتقاربا وسميا الصداق، وهو قول ابن نافع، وظاهر قول مالك في الموطأ، وظاهر ما في رسم التسمية من سماع عيسى من كتاب النكاح؛ وقيل: إذا ركنا وتقاربا وإن لم يسميا الصداق، وهو قول ابن حبيب، وحكاه عن ابن المطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وابن القاسم وابن وهب. واختلف إن خطب الرجل على أخيه في الموضع الذي لا يجوز له فأفسد عليه وتزوج هو، فقيل: النكاح فاسد لمطابقة النهي له يفسخ قبل الدخول وبعده ويكون فيه الصداق المسمى، وقيل: يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده، وقيل: يمضي النكاح ولا يفسخ وقد حرج وأثم وظلم الذي أفسد عليه، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفره ويتحلل الرجل، فإن حلله وإلا ترك المرأة وطلقها، فإن لم يتزوجها الرجل تزوجها هو بعد إن شاء. وكذلك لا يجوز للرجل أن يسوم على سوم أخيه في البيع، لأجل النهي الوارد في ذلك عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ. وقد مضى الكلام على هذا مستوفى في رسم القسمة من سماع عيسى من كتاب النكاح، وبالله التوفيق. .مسألة عزل الرجل: قال محمد بن رشد: يحتمل أن يكون ابن عمر كان لا يعزل ولا يكره العزل، ويحتمل أن يكون كان لا يعزل لأنه يكره العزل وهو الأظهر، لأن ذلك معلوم من مذهبه. وقد اختلف الصحابة في ذلك فمن بعدهم، فمنهم من كرهه لما روي من أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عنه فقال: «ذلك الوأد الخفي» ولما روي عنه من كراهة نزع الماء عن محله في العشرة الأشياء التي كان يكرهها. والذي عليه جمهور الصحابة إباحة العزل، وقد ذكر ذلك عند عمر بن الخطاب فقال بعض من عنده: إن اليهود تزعم أنها الموءودة الصغرى، فقال علي بن أبي طالب: إنها لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع، وتلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] إلى آخر الآية، فقال له عمر بن الخطاب: صدقت أطال الله بقاءك. ويقال: إن أول من قال في الإسلام أطال الله بقاءك عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في هذه الحكاية. والذي عليه جمهور العلماء بالأمصار مالك وأصحابه والشافعي وأبو حنيفة إباحة العزل على «حديث أبي سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا الفداء وأردنا أن نعزل فقلنا: نعزل ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة». فالرجل يعزل عن أمته بغير إذنها، ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها ولا يعزل عن زوجته الأمة إلا بإذن مواليها، وقد قيل إنه لا يعزل عنها إلا بإذنها. وقال الشافعي: له أن يعزل عن زوجته الأمة بغير إذنها وبغير إذن مواليها. .مسألة السفر في طلب العلم: قال محمد بن رشد: قد مضى هذا المعنى قبل هذا في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق. .مسألة الحض على التفقه في كتاب الله عز وجل: قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين لا يحتاج إلى تفسير، وبالله التوفيق. .مسألة محبة الناس لابن عمر: قال محمد بن رشد: محبة الناس لعبد الله بن عمر من محبة الله على ما جاء في الحديث عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «إن الله عز وجل إذا أحب عبدا قال لجبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض». وإذا أبغض الله العبد قال مالك: لا أحسب إلا أنه قال في البغض مثل ذلك. .مسألة الغسل في الفضاء: قال محمد بن رشد: وجه إجازة مالك الغسل في الفضاء إذا أمن أن يمر به أحد هو أن الشرع إنما قرر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدم دون من سواهم من الملائكة، إذ لا تفارقه الحفظة الموكلون عليه منهم في حال من الأحوال. قال الله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وقال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار: 10] {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] لهذا قال مالك تعجبا: ألا يغتسل الرجل في الفضاء؟ إذ لا فرق في حق الملائكة بين الفضاء وغيره، فأنكر الحديث لما كان مخالفا للأصول، لأن الحديث إذا كان مخالفا للأصول فإنكاره واجب إلا أن يرد من وجه صحيح لا مطعن فيه فيرد إليها بالتأويل الصحيح. وقد روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا حدثتم عني حديثا تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به قلته أو لم أقله فإني أقول ما يعرف ولا ينكر وإذا حدثتم عني حديثا تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به فإني لا أقول ما ينكر ولا يعرف» ويكره التجرد لغير ضرورة ولا حاجة في الفضاء وغير الفضاء، ففي رسالة مالك إلى هارون الرشيد: إياك والتجرد خاليا فإنه ينبغي لك أن تستحي من الله إذا خلوت، وذكر في ذلك عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ حديثا، وبالله التوفيق. .مسألة القصر والفطر في الغزو: قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أنهم كانوا في الغزو ينوون الإقامة بموضعهم الذي كانوا فيه، فكان عبد الرحمن والمسور يتمان ويصومان لنيتهم الإقامة، وكان سعد يفطر ويقصر وإن نوى الإقامة لكونه في بلد العدو، إذ ليس على يقين من إقامته، إذ قد يأتي من الأمر ما يزعجهم عن موضعهم، وهذا هو مذهب مالك أن نية الإقامة في بلد العدو لا يعتبر بها، وبالله التوفيق. .مسألة ولاء السائبة لجميع المسلمين فلا عاقلة له: قال محمد بن رشد: يروى العابذي والعايذي، والصواب والعايذي بالياء المعجمة باثنتين والذال المعجمة بالواحدة. ومعنى سائبة أنه كان أعتق سائبة، وكذلك وقع في الموطأ أن سائبة أعتقه بعض الحجاج. وفي هذا أن من أعتق عبده سائبة بأن يقول له: اذهب فأنت سائبة، أن ولاءه للمسلمين. وقد اختلف في عتق السائبة، فقيل: إنه جائز وقيل: إنه مكروه، وقيل: إنه غير جائز. فعلى القول بأنه جائز أو مكروه يكون ولاؤه للمسلمين، وعلى القول بأنه غير جائز يكون ولاؤه لمن أعتقه. وقد قيل: إن من قال لعبده أنت سائبة لا يكون بذلك حرا إلا أن يريد الحرية. وقد مضى تحصيل هذا الاختلاف في آخر سماع أشهب من كتاب العتق. ويحتمل أن يكون هذا الرجل الذي قتل ابن العائذي أعتقه رجل من الحاج غير معروف فيكون ولاؤه لجمع المسلمين ولا تكون له عاقلة من أجل أنه لا يعرف معتقه، لا من أجل أنه أعتق سائبة، وهو الأظهر والله أعلم. وقول أبي المقتول هو إذا كالأرقم يريد الحية التي إن تركتها لسعتك فقتلتك، وإن قتلتها قتلتك، يريد كما جرى للفتى الذي كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالخندق وهو حديث عهد بعرس، فاستأذن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحدث بأهله عهدا، فأتاها فوجدها قائمة بين الناس فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيرة، فقالت له: لا تعجل حتى ترى ما في بيتك، فدخل فإذا بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه ثم خرج بها فنصبه في الدار، فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتا، فما يدرى أيهما كان أسرع موتا الفتى أو الحية، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثا فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان» وبالله التوفيق. .مسألة كراهة الإمساك عن الكلام في الصيام: قال محمد بن رشد: قول صفية محمول على أنها أخبرت بذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأن قول الصاحب نهينا عن كذا وكذا وأمرنا بكذا مما يدخل في المسند، لأن صفية هذه إن لم تكن صفية بنت حيي زوج النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ فهي صفية بنت أبي عمير الثقفية زوج عبد الله بن عمر، وهي صحابية روت عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، وروى عنها نافع هذا مولى عبد الله بن عمر، ولا حجة في جواز ذلك بما في كتاب الله عز وجل من قوله: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26]، أي صمتا، {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]، لأن ذلك كان من شرع بني إسرائيل، كان الرجل منهم إذا اجتهد صام من الكلام كما يصوم من الطعام إلا من ذكر الله، وذلك منسوخ في شرعنا ممنوع فعله فيه بنهي النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ روي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رواية ابن عباس أنه قال: «لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا من بعد ملك، ولا رضاع بعد الفطام، ولا يتم بعد احتلام، ولا نذر في معصية، ولا صمت إلى الليل، ولا وصال، ولا يمين للمرأة على زوجها ولا للولد على والده ولا للمملوك على سيده» الحديث وقع بكماله في المبسوطة. وروي عن قتادة أنه قال: إنما كانت آية جعلها الله عز وجل لمريم- عَلَيْهَا السَّلَامُ- يومئذ. وإذا شئت رأيت امرأة سفيهة تقول: أصوم صوم مريم ولا نتكلم في صومها. وقد اختلف أهل التأويل في القائل لمريم: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26]، فمنهم من قال قاله لها الملك عن الله عز وجل، ومنهم من قال قاله لها ابنها عيسى: صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه- بدليل قوله: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي} [مريم: 24] الكلام إلى آخره، لأن رجوع الفاعل المضمر من فناداها إلى أقرب مذكور في الآية وهو عيسى أظهر من رجوعه إلى الملك الذي هو أبعد مذكور منه فيها. وهذا على قراءة من قرأ فناداها من تحتها بالخفض في الحرفين جميعا، وأما على قراءة من قرأ من تحتها بالفتح في الحرفين جميعا فلا إضمار في الكلام، والمنادي عيسى ابن مريم بلا احتمال، وبالله التوفيق. لا شريك له. .مسألة الاحتباء في صلاة النافلة: قال محمد بن رشد: إلى هذا ذهب مالك فقال: لا بأس أن يصلي الرجل محتبئا في النافلة، وإن كان الاختيار عنده لمن صلى فيها جالسا أن يصلي متربعا كما يصلي في الفريضة إذا لم يقدر على القيام فيها، خلاف ما ذهب إليه زفر من أن جلوسه في موضع القيام كجلوسه في التشهد. والذي ذهب إليه مالك أولى لوجهين: أحدهما: أن يفرق بين جلوسه في موضع الجلوس وبين جلوسه في موضع القيام، كما يفرق بين إيمائه للركوع وإيمائه للسجود بأن يجعل إيماءه للسجود أخفض من إيمائه للركوع؛ والثاني: ما روي «عن عائشة أنها قالت: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى متربعا» وما روي عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من أنه قال: «صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم غير متربع» ليس بحديث صحيح، وما روي عن ابن مسعود من أنه قال: لأن أجلس على رضفتين أحب إلي من أن أتربع في الصلاة، يحتمل أن يكون معناه في التربع في الجلوس للتشهد. وبالله التوفيق. .مسألة ما جاء في الذين قتلوا ببئر معونة: قال محمد بن رشد: جميع الأموات يحيون بعد موتهم لمسائلة منكر ونكير، ويعرض على كل واحد منهم مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل النار فمن أهل النار، وإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة: فالفرق بين الشهداء وبين أهل الجنة من سواهم أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وينعمون على ما جاء في الحديث من أن أرواح الشهداء تسرح في ثمار الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، وسائر أهل الجنة من المؤمنين- أحياء إلى يوم البعث، لا يرزقون ولا يتنعمون، وبالله التوفيق. .مسألة نهي السُّؤَّال عن السؤَال في المسجد: قال محمد بن رشد: المعنى في هذا بين، لأن المساجد إنما وضعت للصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله والدعاء لله عز وجل فينبغي أن ينهى فيها عما سوى ذلك من اللغط ورفع الصوت وسؤال السؤال الذين يلحون، لأن ذلك مما يشغل المصلين، وبالله التوفيق. .مسألة ما جاء عن عمر بن الخطاب في قول الرجل لامرأته حبلك على غاربك: قال محمد بن رشد: مثل هذا في المدونة أنه لا ينوى في هل أراد الطلاق أو لم يرده ولا في عدد الطلاق إلا إن كان لم يدخل بها. وقد وقع في بعض روايات العتبية من رواية أشهب عن مالك مثل هذا، زاد ولو ثبت عندي أن عمر بن الخطاب قال ذلك ما خالفته، ولكنه حديث جاء هكذا. وإنما قال فيه هذا لأنه عنده بلاغ مالك أنه بلغه أنه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق أن رجلا قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله أن مره يوافني في الموسم فبينا عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال له عمر من أنت؟ فقال الرجل أنا الذي أمرت أن أجلب عليك، فقال له عمر أسألك برب هذه البنية ما أردت بقولك حبلك على غاربك؟ فقال الرجل لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك، أردت بذلك الفراق، فقال عمر بن الخطاب هو ما أردت. والظاهر من حديث عمر أنه نواه في الوجهين جميعا، لأنه لما قال أردت بذلك الفراق، قال له هو ما أردت. وليس بنص في واحد من الوجهين، إذ لا يدرى ما كان يقول له لو قال له لم أرد بذلك الفراق وإنما أردت بذلك وجه كذا وكذا لشيء يذكره مما يحتمله كلامه، وماذا كان يقول له لو قال أردت بذلك واحدة أو اثنتين لاحتمال أن يكون فهم من قوله أردت بذلك الفراق أنه أراد بذلك الفراق بتاتا ولذلك قال له: هو ما أردت. فأما تنويته في هل أراد بذلك الطلاق أم لا فالذي يأتي على مذهب مالك وأصحابه أنه لا ينوى في ذلك لأنه من صريح كنايات الطلاق، كمن قال لامرأته: أنت بائنة مني ثم قال: إنما أردت أن بيني وبينها فرجة في الجلوس في ذلك الوقت، وكمن قال لها: أنت طالق ثم قال: إنما أردت أنها طالق من وثاق ولم تكن قبل ذلك في وثاق. وأما تنويته في عدد ما أراد من الطلاق فيتخرج ذلك على قولين في المذهب، إذ لا فرق في المعنى بين قوله حبلك على غاربك أو قد سرحتك لأنه إذا سرحها فقد ألقى حبلها على غاربها، وإذا ألقى حبلها غاربها فقد سرحها. وقد قالوا في سرحتك إنه ينوى في المدخول بها أو غير المدخول بها، فإن لم تكن له نية فهي ثلاث، وقيل: إنها واحدة في التي لم يدخل بها إذا لم تكن له نية. .مسألة هبة الثواب: قال محمد بن رشد: معناه في هبة الثواب، بدليل قوله في الموطأ: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها.. وقد اختلف في هبة الثواب هل من حق الواهب أن يمسكها حتى يقبض ثوابها كالسلعة المبيعة التي له أن يمسكها حتى يقبض ثمنها، أوليس له ذلك ويلزمه أن يدفعها إليه ثم يطلبه بثوابها؟ فقيل من حقه أن يمسكها حتى يأخذ ثوابها، وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب هذا في هذا الحديث؛ وقيل: ليس له أن يمسكها ويلزمه أن يدفعها ثم يطلبه بثوابها، وهو ظاهر قول عمر بن الخطاب في حديث الموطأ. وعلى هذا الاختلاف يأتي اختلافهم في هل تدخل الهبة بالعقد في ضمان الموهوب له أم لا، والقول في هذه المسألة مستوفى في كتاب المقدمات، وبالله التوفيق. .مسألة المبيت على ظهر المسجد: قال محمد بن رشد: في هذا بيان أن لظهر المسجد من الحرمة ما لداخل المسجد، وبفعل عمر بن عبد العزيز هذا احتج مالك في المدونة في أنه لا يجوز لأحد أن يبني مسجدا ويبني فوقه بيتا يرتفق به، وقال: إنه يورث البنيان الذي تحت المسجد ولا يورث البنيان الذي فوقه، وبالله التوفيق. .مسألة قبلة النبي عليه السلام ومصلاه في مسجده: قال محمد بن رشد: لابن القاسم في رسم نذر من هذا السماع من كتاب الصلاة أن مصلى النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ هو العمود المخلق خلاف قول مالك هاهنا، ورأى مالك رَحِمَهُ اللَّهُ هناك صلاة النافلة في مصلى النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ أفضل من الصلاة في سائر المسجد. قال: وأما الفريضة فيتقدم إلى أول الصف أحب إلي. وقد مضى القول على ذلك هنالك. وأما قوله إن قبلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي حذو قبلة الإمام، وإنما قدمت القبلة حذو قبلة النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ سواء، فالمعنى في ذلك أن عمر بن الخطاب إذ زاد في قبلة المسجد جعل المحراب في الزيادة بإزاء المحراب القديم وفي قبلته غير مشرق عنه ولا مغرب، وأن المنبر قبل أن يزاد في قبلة المسجد كان بينه وبين جدار القبلة ما قاله، فلما زيد في قبلة المسجد لم ينقل المنبر عن موضعه فبعد عن جدار المسجد، وكذلك زاد بعده عن جدار القبلة إذ زاد عثمان أيضا في قبلة المسجد، وبالله التوفيق. .مسألة الصلاة في سقائف المسجد فرارا من الحر: قال محمد بن رشد: هذا مثل ما مضى في رسم المحرم يتخذ الخرقة لفرجه من التوسعة في الصلاة بسقائف مكة فرارا من الحر، وقد مضى من القول على ذلك ما فيه كفاية، وبالله التوفيق. .مسألة من أحرم من التنعيم يسعى الأشواط الثلاثة: قال محمد بن رشد: هذا معلوم من مذهب مالك أن الرمل في الحج في الطواف الأول الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة وفي العمرة، أحرم بهما من الميقات أو مما دونه سنة، واختلف قوله إن تركه أحد ناسيا أو جاهلا، فقال مرة إنه يعيد إن كان قريبا، فإن طال كان عليه الدم، وقال مرة لا يعيد وإن كان قريبا وعليه دم، ومرة لم ير عليه شيئا، وبالله التوفيق. .مسألة اليمين مع شهادة المرأتين في الدين: قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله، لأن المرأتين عدل الرجل فيما تجوز فيه شهادتهن مع الرجل وهو المال، لقول الله عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] فكما يستحق المال على مذهب مالك ومن تبعه على القضاء باليمين مع الشاهد فكذلك يستحق باليمين مع الشاهدتين، وبالله التوفيق.
|